فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَن يُضِلُّوكَ} أي بأن يضلوك عن القضاء بالحق، أو عن اتباع ما جاءك في أمر الأصنام، أو بأن يهلكوك، وقد جاء الإضلال بهذا المعنى، ومنه على ما قيل: قوله تعالى: {وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} [السجدة: 10] والجملة جواب {لَوْلاَ} وإنما نفى همهم مع أن المنفي إنما هو تأثيره فقط إيذانًا بانتفاء تأثيره بالكلية، وقيل: المراد هو الهم المؤثر ولا ريب في انتفائه حقيقة.
وقال الراغب: إن القوم كانوا مسلمين ولم يهموا بإضلاله صلى الله عليه وسلم أصلًا وإنما كان ذلك صوابًا عندهم وفي ظنهم؛ وجوز أبو البقاء أن يكون الجواب محذوفًا والتقدير ولولا فضل الله عليك ورحمته لأضلوك ثم استأنف بقوله سبحانه: {لَهَمَّتْ} أي لقد همت بذلك {وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ} أي ما يزيلون عن الحق إلا أنفسهم، أو ما يهلكون إلا إياها لعود وبال ذلك وضرره عليهم، والجملة اعتراضية، وقوله تعالى: {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء} عطف عليه وعطف على {أَن يُضِلُّوكَ} وهم محض؛ و{مِنْ} صلة، والمجرور في محل النصب على المصدرية أي وما يضرونك شيئًا من الضرر لما أنه تعالى عاصمك عن الزيغ في الحكم، وأما ما خطر ببالك فكان عملًا منك بظاهر الحال ثقة بأقوال القائلين من غير أن يخطر لك أن الحقيقة على خلاف ذلك، أو لما أنه سبحانه عاصمك عن المداهنة والميل إلى آراء الملحدين والأمر بخلاف ما أنزل الله تعالى عليك، أو لما أنه جل شأنه وعدك العصمة من الناس وحجبهم عن التمكن منك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك} عطف على {ولا تكن للخائنين خصيمًا} [النساء: 105].
والمراد بالفضل والرحمة هنا نِعمة إنزال الكتاب تفصيلا لوجوه الحقّ في الحكم وعصمته من الوقوع في الخطأ فيه.
وظاهر الآية أنّ هَمّ طائفة من الذين يختانون أنفسهم بأن يُضلّون الرسول غيرُ واقع من أصله فضلا عن أن يضلّوه بالفعل.
ومعنى ذلك أنّ علمهم بأمانته يزعهم عن محاولة ترويج الباطل عليه إذ قد اشتهر بين الناس، مؤمنهم وكافرهم، أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم أمين فلا يسعهم إلاّ حكاية الصدق عنده، وأنّ بني ظَفَر لما اشتكوا إليه من صنيع قتادة بن النعمان وعمّه كانوا يظنّون أنّ أصحابهم بني أبيرق على الحقّ، أوْ أنّ بني أبيرق لمّا شكوا إلى رسول الله بما صنعه قتادة كانوا موجسِين خِيفة أن يُطلع الله رسوله على جليّة الأمر، فكان ما حاولوه من تضليل الرسول طمعًا لا هَمّا، لأنّ الهمّ هو العزم على الفعل والثقة به، وإنّما كان انتفاءُ همّهم تضليلَه فضلًا ورحمة، لدلالته على وقاره في نفوس الناس، وذلك فضل عظيم.
وقيل في تفسير هذا الانتفاء: إنّ المراد انتفاء أثره، أي لولا فضل الله لضلِلْت بهمّهم أن يُضلّوك، ولكن الله عصمك عن الضلال، فيكون كناية.
وفي هذا التفسير بُعد من جانب نظم الكلام ومن جانب المعنى.
ومعنى: {وما يضلون إلا أنفسهم} أنّهم لو همُّوا بذلك لكان الضلال لاحقًا بهم دونك، أي يكونون قد حاولوا ترويج الباطل واستغفال الرسول، فحقّ عليهم الضلال بذلك، ثم لا يجدونك مصغِيا لضلالهم. اهـ.

.قال الفخر:

{وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء} فيه وجهان:
الأول: قال القفال رحمه الله: وما يضرونك في المستقبل، فوعده الله تعالى في هذه الآية بادامة العصمة له مما يريدون من إيقاعه في الباطل.
الثاني: أن المعنى أنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل، لأنك بنيت الأمر على ظاهر الحال، وأنت ما أمرت إلا ببناء الأحكام على الظواهر. اهـ.

.قال الطبري:

{وما يضرونك من شيء}، وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلُّوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته {من شيء}، لأن الله مثبِّتك ومسدِّدك في أمورك، ومبيِّن لك أمر من سعوا في إضلالك عن الحق في أمره وأمرهم، ففاضِحُه وإياهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنّا إن فسرنا قوله: {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء} بأن المراد أنه تعالى وعده بالعصمة في المستقبل كان قوله: {وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة} مؤكدًا لذلك الوعد، يعني لما أنزل عليك الكتاب والحكمة وأمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات والضلالات، وإن فسرنا تلك الآية بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان معذورًا في بناء الحكم على الظاهر كان المعنى: وأنزل عليك الكتاب والحكمة وأوجب فيها بناء أحكام الشرع على الظاهر فكيف يضرك بناء الأمر على الظاهر.
ثم قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا}
قال القفال رحمه الله: هذه الآية تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون المراد ما يتعلق بالدين، كما قال: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} [الشورى: 52] وعلى هذا الوجه تقدير الآية: أنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأطلعك على أسرارهما وأوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالمًا بشيء منهما، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك وإزلالك.
الوجه الثاني: أن يكون المراد: وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم، ثم قال: {وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} وهذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب وذلك لأن الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا القليل، كما قال: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 85] ونصيب الشخص الواحد من علوم جميع الخلق يكون قليلًا، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيمًا حيث قال: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} وسمى جميع الدنيا قليلًا حيث قال: {قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ} [النساء: 77] وذلك يدل على غاية شرف العلم. اهـ.

.قال الطبري:

وقوله: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}، يقول: ومن فضل الله عليك، يا محمد، مع سائر ما تفضَّل به عليك من نعمه، أنه أنزل عليك {الكتاب}، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة {والحكمة}، يعني: وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده.
{وعلمك ما لم تكن تعلم} من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائن، فكل ذلك من فضل الله عليك، يا محمد، مُذْ خلقك، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك، بالتمسك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن. ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه، واتبعت هوى من حاول صدَّك عن سبيله.
وهذه الآية تنبيهٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم على موضع خطئه، وتذكيرٌ منه له الواجبَ عليه من حقه. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة} هذا ابتداء كلام.
وقيل: الواو للحال، كقولك: جئتك والشمس طالعة؛ ومنه قول امرئ القيس:
وقد أغتدِي والطيرُ في وُكُناتها

فالكلام متصل، أي ما يضرونك من شيء مع إنزال الله عليك القرآن.
{والحكمة} القضاء بالوحي.
{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} يعني من الشرائع والأحكام.
و{تَعْلَمُ} في موضع نصب؛ لأنه خبر كان.
وحذفت الضمة من النون للجزم، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. اهـ.

.قال الخازن:

{وأنزل الله عليك الكتاب} يعني القرآن {والحكمة} يعني القضاء بما يعني وأوجب بهما بناء الحكم على الظاهر فكيف يضرونك بإلقائك في الشبهات {وعلمك ما لم تكن تعلم} يعني من أحكام الشرع وأمور الدين وقيل علمك من علم الغيب ما لم تكن تعلم وقيل معناه وعلمك من خفيات الأمور وأطلعك على ضمائر القلوب وعلمك من أحوال المنافقين وكيدهم ما لم تكن تعلم {وكان فضل الله عليك عظيمًا} يعني ولم يزل فضل الله عليك يا محمد عظيمًا فاشكره على ما أولاك من إحسانه ومن عليك بنبوته وعلمك ما أنزل عليك من كتابه وحكمته وعصمك ممن حاول إضلالك فإن الله هو الذي تولاك بفضله وشملك بإحسانه وكفاك غائلة من أرادك بسوء ففي هذه الآية تنبيه من الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على ما حباه من ألطافه وما شمله من فضله وإحسانه ليقوم بواجب حقه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

أما {الكتاب}، فهو القرآن.
وفي {الحكمة} ثلاثة أقوال:
أحدها: القضاء بالوحي، قالَه ابن عباس.
والثاني: الحلال والحرام، قاله مقاتل.
والثالث: بيانُ ما في الكتاب، وإِلهام الصواب، وإِلقاء صحة الجواب في الرّوع، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وفي قوله: {وعلمك ما لم تكن تعلم} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الشرع، قاله ابن عباس ومقاتل.
والثاني: أخبار الأولين والآخرين، قاله أبو سليمان.
والثالث: الكتاب والحكمة، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وكان فضل الله عليك عظيمًا} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه المنة بالإِيمان.
والثاني: المنّة بالنبوّة، هذان عن ابن عباس.
والثالث: أن عامّ في جميع الفضل الذي خصّه الله به، قاله أبو سليمان. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة} أي القرآن الجامع بين العنوانين، وقيل: المراد بالحكمة السنة، وقد تقدم الكلام في تحقيق ذلك، والجملة على ما قال الأجهوري: في موضع التعليل لما قبلها، وإلى ذلك أشار الطبرسي وهو غير مسلم على ما ذهب إليه أبو مسلم.
{وَعَلَّمَكَ} بأنواع الوحي {مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} أي الذي لم تكن تعلمه من خفيات الأمور وضمائر الصدور، ومن جملتها وجوه إبطال كيد الكائدين، أو من أمور الدين وأحكام الشرع كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو من الخير والشر كما قال الضحاك أو من أخبار الأولين والآخرين كما قيل أو من جميع ما ذكر كما يقال.
ومن الناس من فسر الموصول بأسرار الكتاب والحكمة أي أنه سبحانه أنزل عليك ذلك وأطلعك على أسراره وأوقفك على حقائقه فتكون الجملة الثانية كالتتمة للجملة الأولى، واستظهر في «البحر» العموم.
{وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} لا تحويه عبارة ولا تحيط به إشارة، ومن ذلك النبوة العامة والرياسة التامة والشفاعة العظمى يوم القيامة. اهـ.